تحميل رواية ساق الغراب pdf يحيى امقاسم
قراءة في رواية ساق الغراب، يحيى أمقاسم / كتابة التاريخ بعد صناعته بقرنين بين الرجل والمرأة :وحدهم أجدادي، نسألهم : لا تموتوا أكثر.وحده التاريخ من يهبنا روحًا للنص تفيض حدثًا وخشوع. نتمايل معها وفق كل حدث. هنا في (ساق الغراب) يصحو التاريخ يوشوش في أذاننا بعض الذي غفلنا عنه. ماضٍ يجتر معه بعض أفراحنا وبعض خيباتنا. نستسقيه غيمة تدندن لنا بعض من أغنيات الزمان. في أجواء غارقة في النستالوجية يعود (امقاسم) يطرح الجنوب التهامي على الصعيد الروائي بحبكة وبناء روائي غاية في الجمال، ورغم المسافة الزمنية والتي تقارب قرنين من الزمان مع التركيز على تأخر حداثة الجزء الجنوبي كأخر بقعة سعودية تم الإلتفات لها بعد تشبع بقية البلدان السعودية بمردود إقتصادي، جعلها تحافظ دون قصد على هويتها التاريخية وتقليدية مجتمعها القادم من رائحة البن ونشوة القمح ولون الطين.هذه رواية من أجمل الروايات الخليجية والعربية وقد تناولتها أقلام النقاد حتى خارج حدود الخليج، ولكن ربما لأن صاحبها (أمقاسم) كاتب مغمور – أتمنى أن يصل للجميع – فكان حظها قليلًا بعض الشيء في الوصول للقارئ العربي ولا أقول للذائقة فالثانية تحتاج أن تقرأ هذا النص لتتضح ذائقتها بعيدًا عن الروايات الخارجة من رحم العامية وصناعة البربقندا في مواقع التواصل.أمقاسم، سجل لنا بعض التاريخ المسكوت عنه ليس خشية خروجه وأن يسبب إنكاء لجراح سابقة ولكنه مما لم يخرج للناس بسبب سوء عامل المعرفة (في التاريخ الشفهي) وتكثيف المؤرخ السعودي على أحداث السعودية بكل أدوارها وما دون ذلك يغفل عنه الباحث التاريخي السعودي فهو عند (البعض) خامل التوثيق رغم وفرة المادة فهو جزء من كل وخبر مكمل لوحدة بناء إقليم بأكملة للتاريخ وهذا سوء إمانة من هؤلاء البعض. في الجنوب الذي يضج بالتاريخ على مر عصوره. كانت عشيرة (عُصيْرَةْ) تنام آمنه مطمئنة يأتيها رزقها من حيث تحرث الأرض وتغني للقمح الذي يلامس قامات الرجال والنساء وجميهم يشارك البذرة غرستها الأولى. رغم دور المرأة في النص برز أكثر كعامل فنتازي تجدها تظهر بدور “صادقية” التي بين القوة والنبؤة وإتخاذ القرار والمشاركة فيه تقف بحزم.في الرواية الكثير من الموروث الجنوبي، التهامي – إن صحت التسمية الجغرافية – مثل الخِتان الذي يختص به الذكور إحتفاليًا – بينما هو لكلا الجنسين – وسط فرح ذات طابع فحولي حيث يجتز (الختّان) قطعة لحم صغيرة من عضو الشاب الذي عادة لا يختن إلا بعد سنة (5 – 7)، ومع كل مرور لشفرة الختّان على عضو الصغير يصرخ ليس باكيًا وإنما منشدًا الشعر الذي يحرص فيه على التفاخر بنسبه وقبيلته ويشير لخواله بكل فخر دون أن يذرف دمعة واحدة وإلا أصبح مسبة، ومن هنا تبدأ معالم غرس الفحولة والرجولة في ذلك الجذع الصغير ليصبح فيما بعد رجلًا يدافع عن اسم القبيلة، وهذه العادة تكاد إحتفالياتها ذات وقع في الجنوب ( * )، وما بعد (1985م) سوف يصبح الطفل (مختون) فور خروجه من المستشفى بينما بعض مناطق الجنوب أبقت علي هذا الكرنفال الفحولي حتى مابعد التسعينات حتى جاء الوقت ليصبح مبضع الطبيب المعقم هو سيد الصرخة.إن بروز دور المرأة في النص لم يكن مبالغًا فيه. ففي زمنٍ قريب بعض الشيء قبل توغل المدنية المقننة المصحوبة بـ(التخوّيف) من الرجل كانت المرأة تقف ندًا بند للرجل في رقصات الحرب والفرح شامخة كأنها نخلة سامقة كان هذا في كل الجنوب، وقبل الرقصة وبعدها صوت الرب القادم من السماء تباركه جباه الجميع ملبين للنداء قبل أن يصبح الرجل عامل شر والمرأة / الحية التي تحمل الشيطان بين فكيها في التوارة أصبحت تحمله في كل شيءٍ فيها.بئس الشعوب التي تخشى المرأة . عصيرة قرية في وادي الحسيني تأتيها قوة جديدة محتلة السعودية الأولى (1744 – 1818م) قادمة من الحجاز – بعد أن دخلت هي الأخرى في حكم السعودية الأولى، ترسل لها الدولة الحديثة (المقرئين) وهم بلغة اليوم (المطاوعة / الشيوخ / رجال دين) يأمرهم طبعًا دون الحاجة أن يخبرنا الروائي للعودة للإسلام – كما تخبرنا نصوص الحركة الوهابية في عهد السعودية الأولى – وحبس المرأة في البيت وعدم خروجها لأنها عورة ونجاسة، والقضاء على كل مراسم البهجة والفرحة والغناء وتغير جذري لموروث قبائلي وعادات وتقاليد تلك المنطقة وبعد محاولات جادة تقوم الإمارة الجديدة وتسقط مقاليد الحكم السابقة في العشيرة وينتهي عهد المرأة التي كانت تقود العشيرة، “صادقية” وقبل نهاية دورها يغادرها (بشيبش) معلنًا نهاية عهد وبداية عهد مغاير لما سبق. وبذلك تتحول الأرض السابقة وتتغير الهوية القديمة وفق أيدلوجيا جديدة تخبرنا بعض مصادرها عن غايتها الدينية، وعلى خجل تحاول مصادر ودراسات حديثة أن الوهابية ليست حركة دينية بقدر ماهي سياسية في المقام الأول ثم لازمتها على صعيد آخر بمسار ديني في قالب تشددي.السيف الذي يحمله (المقرئ) الذي يفترض أن يكون صوت سماوي على الأرض يكثر الحديث عن السيف وقوة التغيير وإلغاء كل الطقوس السابقة في هوية ما قبل دخول العنصر الجديد باسم وهي من الذرائع المؤدلجة باسم الدين مارستها كل الحكومات وسوف تمارسها كل الجماعات الدينية على البشر حتى نهاية الدنيا. تنجح وتتعاضد يدًا بيد عندما تسير وفق القوة. يصرخ عاليًا من بينها رجالاها باسم الرب فلا يخشى العباد تلك الأكاذيب لمعرفتهم بالرب الذي يسكن قلوبهم. لكنهم يعلمون أنه ميزان القوى ليس أكثر.. تتوقف الرقصات.. تلغي إحتفاليات الخِتان.. تلازم المرأة / العورة، الدار.. تتبدل صيغة الأوامر ويختلف نتاج الأشجار فتموت.الدخيل الجديد (أتباع الحركة الوهابية) لم يأتي بغية الرقي والتقدم بكثر ماهو تأصيل لدوره السابق الذي جاء يحمله في ثوبه القصير وسيفه الذي لم يدخل غِمده منذ عهد. جاء ليوسع رقعته بهويته على حساب هوية أخرى دون بدل أي سبل نحو تطور ملموس ليس غير قتل الهوية السابقة (الجبلية) ومنحهم هوية (صحرواية) تليق بمشروع توسعي على أساس أيدلوجي كبرت معه الأرض حد التخمة.كنت اسأل نفسي سؤال منذ سنين سابقة – ما بعد قراءة العمل – يلح عليّ : ماذا لو هذا العمل خُففت (رمزيته) هل سوف يصل ويتقبله كل أبناء المجمتع السعودي (بحكم هوية الكاتب)، وهل سوف يتقبله القارئ العربي (بحكم هوية اللغة) ؟. وحدها الرمزية من كادت تقتل العمل لولاء قوة البناء. رمزية (امقاسم) غلبت المكان وفتحت مجالًا غير جيد للخيال. لاشك أن الرواية ماتزال تقاوم كل ممانعة منذ صدورها لأنها ناقشت حرب ضروس بين الموروث والمعتقد والقبيلة بمواجهة حرمة دينية والحركة التي أقصدها حركة محمد بن عبد الوهاب التي أكتسحت شبه جزيرة العرب لأغراض سياسية دينية وهذا كفيل في أن يسعى المنتصر للتقليل من صوتها الإعلامي. حيث سيطرة قوة الإمارة الجديدة (المقرئين) القادمين للمنطقة بقوة السلاح وقوة التشدد.ثمة معالم (أمكنة) لم يعد لها أثر هذا اليوم ليس غير تحديد معالمها على الأرض وقد تلاشت بفعل الزمان والعمران، ولكن بعضها باقٍ أو تغير اسمه حبذا لو أشار لها المؤلف، وإن كانت لم تربك العمل من ناحية التقنية الروائية.يكاد يكون الشعر جزء مقدس في هذا النص الجميل لكن وجود أشعار غاية في الصعوبة من ناحية المعنى يصعب على القارئ فهمها فشرحها كان ليفتح أفقًا رائعًا لفهم مكانها من النص حيث أن المؤلف لم يوردها عبثًا بل لمقتضيات النص.رغم جمال اللغة التي كتب بها (امقاسم) نصه البديع إلا أنه كان في غنى عن هذا الإستعراض الفحولي لها. نحن نقرأ نص لنتاج ما بعد الألفية وليس لأحد مواليد (1900م) ولو أنه عوّل على تخفيف حدة الكلمات العامية وتحويلها للغة اليومية (لغة الصحف اليومية) أو قلل منها لكان عونًا على ميل الناس للنص والمساهمة في إنتشاره، ولكن يبدو أن هذا التخصيص للكلمات هو عمد من المؤلف ليبقى النص محاط بهالة من الغموض على الأقل في السنوات الأولى من صدوره وكأنه بهذا خصصه لفئة محلية – إقليمية خشية أمرٍ ما.تجانس جميل بين الشعر والأسطورة المثيولوجيا – الخرافة – في النص وبلغة سردية رائعة تسلب القارئ مقدرته على التوقف.في النص ترد (ال) التعريف بحذف الـ(ل) ويقلب إلى (م) وهي اليوم من الدارجة في (جازان) وهي ما يعرف بـ(الطمطمة) وهي من لغة حمير( * * ) اليوم، وثمة تواجد لها ضعيف في مصر أظنه دخل علي مدنها الكبرى قادمًا من (الوجه البحري) عليها مثل (البارح : أمبارح) وقد قدمت مع لهجات العرب أثناء فتح مصر.أخيرًا.. هذا نص كتب له أن يعيش لفترات طويلة.الحاشية : كان قد أشار لها (عبده خال) في روايته الفاتنة (مدن) أبرز أعماله، وثمة إشارات لها إن لم تخني الذاكرة عند (عبد العزيز مشري) – رحمه الله – في بعض أعماله، وإن كان إهتمام مشري بالجنوب من ناحية الأرض – المكان – بعيدًا عن تكثيف العادات رغم وجودها. حمير مثل (الباب : امباب / الصلاة : امصلاة)، وإلى يوم يعمل بها ويقبالها في بعض بلدان السعودية لهجات تتحول فيها الأحرف مثل قلب الـ(ك) إلى (س) في (السكسكة) في بلدان نجد مثل (خالك : خالتس / أحبك : أحبتس / كيف حالك؟ : كيف حالتس؟) وتخفف الـ(ت) عند النطق ويبقى بعض جرسها الصوتي، وكذلك قلب الـ(ك) إلى (ش) وهي (الكشكشة) في سراة عبيدة مثل (خالك : خالش / أحبك : أحبش / كيف حالك؟ : كيف حالش؟).