تحميل رواية غواصو الأحقاف pdf امل الفاران
تأخذنا المؤلفة أمل الفاران بلغتها الرائعة إلى العقيق بأحيائها الثلاثة، لنعيش قصص حب وحرب حيث تزحزت الثوابت وأعيدت رسم ملامح الحياة. في تلك اللحظة التاريخية بالذات تختار أمل الفاران أن تكتب عن الوادي والجبل، حيث تستوطن ثلاثة أفخاذ من بطن واحد. ثلاث أسر يفرقها أكثر مما يجمعها.. ثلاث عشائر تكاد تفني بعضها قبل أن يفنيها الجوع بين آل هذال وآل بنيان وآل فواز، الرواية مكتوبة بعناية وتستعيد المؤلفة من خلالها أجواء عايشها أجدادنا، فزمن الرواية هو بدايات الدولة السعودية الثالثة مع بعض الإشارات إلى معارك الملك عبدالعزيز مع ابن رشيد، ولكن للعقيق معاركها الداخلية، فالحرب مستعرة بين الهذاليين والبنيانيين، تظهر لنا هذه الحرب جوانب من ذلكم المجتمع، معاني الشجاعة والجبن، الخسة والشهامة، ما تعرضه لنا المؤلفة ليس أقل من حياة كاملة، من المزارع بنخيلها إلى المنازل برواشنها، من السادة إلى العبيد، من الرجال إلى النساء، الحياة والموت، السيل والجراد، الحب والكره، الانتصارات والخيبات.غواصو الأحقاف تسترجع تاريخاً قريباً غير منسي.. لكن بلغة جديدة. الرواية لعلها مبنية على موروث الكاتبة عن وادي الدواسر. هناك من أطراف نجد وأعماق الهول الرملي العظيم، حيث أساطير كثبان الأحقاف بممالكها البائدة من إنس وجنّ، تكتب الفاران عن الحب والجوع والحرب؛ الثلاثية التي رسمت حياة أجيال إلى أوائل أيام ابن سعود. قصص حروب الصحراء كثيرة، لكن أمل الفاران تكتب هنا بقلم وقلب ولسان المرأة. وهذه قيمة مضافة عظيمة. إنها تنفي كذلك تنميطاً مفاده أن عوالم الصحراء القديمة كانت ذكورية بحتة. لأن الأم والأخت والحبيبة حاضرون هنا حتى فيما الرجال يغرسون نصالهم في أجساد بعضهم. وحدها المرأة تملك أن تعري الرجل من أقنعة وأسمال البطولة والفروسية. في خدر المرأة، في حضن الأم، يرجع الفارس طفلاً. وقد نجحت أمل بحرفية عالية في تقديم هذه الصورة الشفافة بدون أن تركن المرأة على رف الرواي السلبي. هذه حبكة –والحال كذلك- متماسكة لأقصى حد؛ الشخوص كلهم مبررون وفاعلون. التصاعد في الأحداث منطقي وجذاب. اللغة –تحديداً- تتأرجح بين العامية والفصحى فلا يفقد القارئ صلته بما يجري ولا يفقد صلته بالمرحلة.وجمالها، كلها عناصر أكيدة في أية قصة محليّة الحبكة. طبعاً نذكر بدايات خُماسية عبد الرحمن منيف ونذكر أعمالاً من هنا وهناك، لعل آخرها (طعم الذئب) لعبد الله البصيّص. أما هذه الرواية: غوّاصو الأحقاف لأمل الفاران؛ فعمل بديع يستحضر الصحراء بكل تعقيدها الكامن، ويستحضر لغة منيف بل يتفوق عليها في مناطق عدة. إنها عمل جدير بالاحتفاء من ناحية الفكرة والمعالجة. ثم هناك القدرة الفذة على الوصف: الرمل مثلاً بطل كامن. بسكونه المرعب وبغضبته المدمرة. بساطته الفجة وتعقيده المميت. نجحت أمل في أن تصنع من الرمل نظيراً لإنسان الصحراء وقريناً سردياً له. فإنسان الصحراء بسيط مباشر، عميق الغور كل حركة عنده بحساب. هذا التناقض الأصيل والذي لا يعيه بكل تفاصيله إلا ابن –بنت- الصحراء نجحت أمل الفاران في نقله لنا بوصفها، بحواراتها، جعلتنا نحسه ونعانيه، كما نقلت لنا شفافية الأرواح التي يثير صوت حفيف النخل، ورفيف أجنحة الحمام شجنها. الأرواح التي ينهل القصيد من بين شفاه أصحابها، وينهل الدمع من أعينهم، حزناً على تأخر غائب أو خيبة في الأمل من وصل حبيب. كل هذا وصفته أمل باقتدار مثلما وصفت عوامل الطبيعة التي لم تحرمها من مكانتها في الرواية، كما وصفت عوالم النساء الحافلة والملونة، ووصفت طعم قهوة الرجال المحمل بمرارة الفشل والصبر الطويل.