الأعمال الشعرية
الأعمال الشعرية “باسم الجبل الواحد في أحزاني أتقدم، لن يسلم ماءٌ، أتقدم…
لن يسلم حلم يتواتر عن أول موت ختم البحر به آفاقه، واستنسر في يابسة الهجرات المبهورة
بالشجو السري وبالأطفال يسيرون فرادى فوق نسيج الصوت ويلتحون أمام نشيد الشجر السريّ
، وبي أتقدم منهوراً كشعابٍ يجرحها الفلاحون بأقدام الثيران. ضميري “ما يسترو”
في جوقة أتراب أحملهم في السير إلى مشكاتي وأخاف الردة حين أصرح بالبدء الموعود
وبالغابات تفاتح خلجاني بحريق ذي أدبٍ غجريٍّ، وأخاف. (لماذا؟
وحدي في آباري قد أخلق أتراباً يحترمون حنوني المفتوح على زنزانات الزعماء)
وفي الجوقة إذ أتقدم أعصب خطواتي وأجبّ على مفرق كلّ طريقٍ قبراً أردفه خلفي وأتابع…
(تسبقني أنطاكية الجهر ويافا وعمان وتسبقني غرفٌ وعرائس أودية وأقاحٍ وو…
نادرات. تسبقني أحذية القرويين لردهة أيامي). في الردهة حين تفاجئني الثورات أعلق أيامي،
وأباشر بالأسئلة المعتادة عن عصفور أُمّي يتنقل بين صناديق البارود وبين
الخوذات المسكونة بالأسماك، وأسأل عن صحف الثورة والأرقام العلنية
في أسفل كل تراب يأتون به من جهةٍ نشرت حلّتها فوق حبال الفقراء؛
وقد أسأل أياماً، وأعلق أيامي في الردهة حتى تتشقق. (يا ثروات انتسبي)”.
يعلمنا تاريخ الإنجازات الإبداعية الفردية درساً كبيراً مفاده أن أعمال الأدب الاستثنائية
قامت بواحد من إنجازين: إما أنها أسست أسلوبية جديدة،
وتسببت في محاق أسلوبية قديمة، الأمر الذي يعني أنها-في النتيجتين-حالات خاصة للغاية
، وأدب سليم بركات كما في أعماله الشعرية نموذج رفيع على تلك الحالات الخاصة
: شعره ضخّ حياة جديدة في المشهد الشعري العربي المعاصر،
وروايته (14 عملاً، حتى هذا التاريخ) أحيت عالماً سردياً
يكون فيه العجائبي مادة كبرى جبارة لالتماس إنشاء العالم الفعلي وإعادته.
الأهم من ذلك، وهذه ليست مفارقة البتة، أن بركات الكردي كتب بلغة عربية فصحى-حية دافقة،
بلغة، إعجازية، فاتنة، طليقة، بالغة الثراء والجسارة والجزالة-ولعب دوراً كبيراً
في تحديث قوامها التركيبي واستخداماتها البلاغية ووظائفها الخطابية،
الأمر الذي يغني عن القول إنه بات بؤرة استقطاب ومعيار قياس ونموذج تأثير…
الأمر الذي يغني أيضاً عن الجزم بأن سليم بركات، الآن إذ تصدر
هذه الأعمال الشعرية تضم 11 مجموعة شعرية،
وراء تأسيس أسلوبية جديدة في الشعر كما في الرواية، وأن امن الطبيعي انتظار منه المزيد.