تنحو هذه الرواية ، التي جاءت في مئتين وخمسين صفحة من القطع المتوسط ، منحى ً سيَريا ً تتجلى فيه سيرة المكان والزمان( من خلال سيرة معايشيهما ) وسيرة شخصية البطل المحوري/ السارد ، الذي هو الروائي نفسه . والمكان هنا يتوزع على ثلاث وحدات أساسية تتمثل في : بيت العائلة والمدينة والوطن ، مع تفرع وحدات ثانوية عن هذه الوحدات المكانية ، والمدينة بشكل خاص حيث تتغرع عنها وحدات : الشارع والسجن والحانة وبيت السيدة المجهولة التي تعر!ّف عليها البطل فأغوته واقتحمت مجرى الأحداث ولعبت دورا ً فيها وإن كان ثانويا ً . لقد كان في ذهن الكاتب ان تحظى المدينة ، بخصوصيتها المكانية والاجتماعية وبما يتساوق مع دلالة عنوان الرواية ، بأهمية خاصة ، حيث كتب عنها بضعة أسطر على الغلاف الأخير في طبعة الرواية الأولى ، للتعريف بها وبتحولاتها حيث ” تتغير أسماؤها ما إن تهب رياح التغيير على الوطن” ، هذه المدينة التي هي موطن البيئة الاجتماعية للشريحة الواسعة من العراقيين الذين تتخذ الرواية اسمها عنوانا ً لها . لكن الروائي يحذف هذه الأسطر من غلاف الطبعة الثانية ويستعيض عنها بأسطر عن الحرب هذه المرة ، فيقول: ” علمتني الحرب أن ليس ثمة أكثر ادهاشا ًمن رجل تعب مهزوم يترقب موته . كنت أقرأ في عيون الجرحى المنتظرين نقلهم الى المفارز الطبية رغبات الخوف والتوسل والقلق . أراقب تطور السؤال الذي يبدأ عادة بالموت ولكنه أبدا ً لا ينتهي ” ، وهو مقطع مستل من الصفحة 218 من الرواية ، ليلخص رؤيته لأهوال الحرب وما آلت اليه من خراب .وتظل المدينة وسيرتها حاضرة في ذهن الروائي : ” تصبغ مدينتنا طينها بالسواد “( ص7 ) أو” كانت مدينتنا المأهولة بالطين تمتلىء بروائح المزابل وروث الخيل وثغاء الأغنام وباعة الملح والمجانين