تحميل رواية بأي ذنب رحلت؟ pdf – محمد المعزوز

 تحميل رواية بأي ذنب رحلت؟ pdf – محمد المعزوز

 تحميل رواية بأي ذنب رحلت؟pdf – محمد المعزوز 

هيّأ قبل نزوله من غرفته، وبينما هو يرتّب أوراقه المشتتة، ليتحدث عن المستقبل السياسي للبلاد في برنامج تلفزي يبث مباشرة عند الساعة العاشرة ليلاً، والذي يحظى بنسبة مشاهدة عالية، تذكّر أنه من الأسماء المرشحة لرئاسة الحكومة، لذلك اجتهد في أن تكون صورته على نحو مختلف، أن يكون أرحب من الشاشة وأكثر انتشاراً من شعاعها.

طلب إلى زوجته “نورة ” أن تختار له من الدولاب بدلة أنيقة وقميصاً جديداً، وحذاء مستوردا. تخيرت له ما تشتهي أن تُلبسه امرأة عاشقة لزوجها. أحضرت له العطر الذي كانت تلتذ باشتمامه في عنقه وصدره وراحتيه، حين يداعب شعرها وشفتيها. ..

لكنّه سرعان ما تنبه إلى أن عشيقته التي كان يلقبها ب: ‘كارلا” نظراً لشبهها الغريب بزوجة الرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي، قد ألحت على أن يظهر في سهرة الليلة بالبدلة الإيطالية الأرجوانية والقميص الأسود ودون ياقة. . أشياء قد أهدتها له في عيد ميلاده الأخير خلال الاسبوع الماضي.

امر نورة وبشىء من الاستعلاء بالتخلي عن خدمته لمباشرة أغراضه بنفسه، تحير ما رعبت فيه عشيقته، ثم ضمخ وجهه ويديه بعطر إنجليزي اشتراه من المعطرة الشهيرة للعطور بإحدى ضواحي لندن الشمالية.

اندفع عبر السلالم الرخامية الداخلية للفيلا، وهو يدندن في اتّجاه المرآب الذي يأوي سيارته الخاصة. انظر إلى ساعته اليدويّة، فاكتشف أن موعد اللقاء قد اقترب.

ولج القاعة المخصتصة بتسجيل البرنامج محفوفاً بزعماء أحزاب سياسية متناقضة المذاهب والمشارب، يهتزون داخل بدل مختلفة ألوانها، مدجّجين بحركات وإشارات مصطنعة تفوح منها كل روائح المتناقضات العجيبة.

ظل رؤوف واقفا مزهوا بنفسه وبين رفاقه وزملائه فى مهنة السياسة، منشرحاً يتأمّل القاعة التي غصتت بجمهور من صفوة السياسيين والمثقفين والفنّانين ورجال الأعمال.

لم يقتعد المكان المخصص له إلا بعد جلوس منشط البرنامج، وثلاثة من المحسوبين على الإعلام والصحافة، واحد منهم أستاذ جامعي.

لما أعطيت الكلمة لرؤوف، شرع يتفنّن في عرض منجزات حزبه ودوره الحاسم في بناء المستقبل وضمان الاستقرار، وأن حزبه متعدد يحضن مختلف فصائل اليسار والوسط في وحدة منسجمة، هدفه إقرار الحداثة والديمقراطية. وصدّ كل التحدّيات التي تهدّد وحدة البلاد وثوابتها. أطنب كثيراً، وهو يكرر دون مناسبة أن فوزه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة مؤشتر على بلوغ البلاد درجات عليا من الديمقراطية والنّزاهة. وفي محاولة ردّه على الصحفيين الذين انطلت عليهم الحيلة، أو انضبطوا إلى توجيه يشبه الخدمة بمقابل، صدرت همهمة وسط القاعة تصاعدت احتجاجاً من طرف شابة من المدعوين تدعى جيهان؛ تشتغل صحافية وكاتبة منذ زمن يسير. اتهمت رؤوفاً في جملة واحدة بأنه مراوغ يزور الحقائق ويبرع في حياكة الأضاليل. حاول المنشط إيقافها بنبرة حادّة، لكنها استرسلت في حديثها، لتقرر بأن هذا الرجل هو لحظة البلاد التي تتعثر فيها خطوات التغيير، تسقط فيها الأحلام تراباً ورماداً.

رواية بأي ذنب رحلت؟ – محمد المعزوز pdf

صرخ المنشط، مجدّداً، وسط جلبة انفجرت أصواتاً وكلاماً، طالباً إليها الصمّمت أو مغادرة القاعة. ألحّت على إتمام حديثها صارخة بصوت أكثر ارتفاعاً، وهي تقول بثبات:

منحتمونا الدهشة الأولى، فسرقتم أحلامنا وهمّتنا بخدع الدّيمقراطية والتّغيير.

وقف المنشط، مزيداً ومرعداً، يطلب إلى المخرج والتقني بقطع البرنامج وإيقافه.

توقف التصوير وبقي المدعوون حيارى مندهشين، فيما ا بعض الجالسين في الصف الأمامي، وهم يلحّون على استقدام الشرطة لاعتقال جيهان، بينما ظل رؤوف متسترا في مقعده واضعا رأسه بين يديه لابداً مستكيناً.

تحركت جيهان بعد أن وقف الجميع متسائلاً عن مصير البرنامج وموقف المواطنين الذين انتظروا بثه طيلة شهر. تهت طريقها وسطهم تدفع بيديها كل من حاول اعتراض سبيلها أو من رغب في استفسارها.

كان خالد من بين المدعوين لم يتململ من مكانه، اكتفى بالتأمّل في رعونة هذه الشابّة التي تصنع مصيراً مغايراً لما تغيّاه رؤوف من ظهوره على الشاشة ، حتى إذا غادرت القاعة لحق بها مقتفياً آثارها للتعرف عليها فقط، هذا ما تبادر إلى ذهنه أو هذا ما اشتهاه.

كان الخارج مأسور ظلمة تنفث كثيرا من الاكتئاب وقليلاً من الطمأنينة. بدت الإضاءة الطالعة من قاعة التسجيل خيطاً ناحلاً يميس باضطراب وخفوت متدرج. … حتى اصوات المدعوّين قد ابتلعها غبش الخارج. كلما توغل خالد مسرعاً في عمق الحديقة، ران الصمت حتاً وظلا، وسادت الوحشة. توقف عن المشى، يتتبّع منصتاً وقع خطوات أو طقطقة حذاء نسائي فوق الممر المسفلت… لا نأمة تسمع عدا صرصرة بعض الحشرات وخرير ماء النّافورة التي تتوسط الحديقة. أطلق ساقيه إلى الباب الخارجي. ولخطوة فخطوة، لمح جيهان بقدّهما الفارع تهتزّ ماشية كحصان طليق. تقدّم نحوها، وقد أحاطت خطاه هالة مهيبة غشاها القلق والتردّد، لكنّه غلب المدّ والجز اللذين اعترياه، فحسم في أمر استئذانها بسؤال واحد فقط :

–          هل تأذين لي سيّدتي بسؤال؟

رواية بأي ذنب رحلت؟ – محمد المعزوز

 تحميل رواية بأي ذنب رحلت؟ – محمد المعزوز pdf

للتحميل اضغط هنا

للتحميل اضغط هنا

This website uses cookies to improve your experience. We'll assume you're ok with this, but you can opt-out if you wish. Accept Read More