قلق الوجود والجمال المطلق
الفكر نزوة العقل لذهب السماء، والوجود هو بريق هذا العرش الذهبي الذي يوحي بخلود مطلق،
فأي قلق يعتري هذا الخلق، لكنها مرثية الشعراء المثيرة للشفقة على الواقع،
والشديدة النضج العاطفي التي تمنع العقل من الانحدار نحو الإذعان
وتُزخرف أحلامه المبهرجة وفزعه المقدس.
إن الفكر الذاتي في وعي أنانيته مازال يعد القيمة السائدة
والمحرّض الأناني الطبيعي للاكتشاف والتطور في الحضارة، وهذا طبيعي جداً،
فإنها مادية تاريخه في السعي للتقدم والارتقاء،
فالجسد هو محرض فاعل وواقعي في ثقافة البشر،
وأنه الملهم المادي لدوافع غريزتَيْ الحياة والموت المنبثقتين أساساً عن آلامه ونوازعه ومحرضاته
، أو بكلمات أخرى إن هذا التاريخ البشري كان ربما بحاجة إلى كل هذا الغرور الفتاك والفتنة
الأخاذة ليدرك في النهاية مصدر ومنبع عذاباته وآلامه، وأن الرموز الفوقية التي صنعها لنفسه
كملاذات صنمية وفكرية لمخاوفه عبر تاريخه الديني الطويل لم تكن سوى انعكاسات
عن القلق الجسدي الغريب عن كيانه المعنوي والجمالي الأصيل الذي تحول
إلى قلق وجودي أناني يعكس صورة الإنسان نفسه منتصراً على جسده وقابعاً على جثمانه المهزوم في السماوات.
وبالتالي يبدو طبيعياً جداً أن تعكس مادة العالم المفعمة بالاتساق والانسجام والجمال
المبهر تلك الهيولى الأزلية والمعنوية الأولى التي تختصر كل هذا الوعي والجمال،
وتحيله في أجسادنا إلى قلق…إلى قلق عارم من هذا الوجود.