رواية قصيرة وبلغة غير مُتكلّفة وبأسلوب أنيق أخاذ ، أقحمت فرنسواز ساغان خصيّاتها في صراع ضدّ القدر السّاخر والصدفة الماجنة والحب المستحيل ، مُتسلّحين فقط بالعزلة والوهم والأمنيات والعبث . هدوء كبير تركت ساغان شخصيّاتها تبحث عن العادة الضائعة ، كل على طريقته .
فكانت لوحة روائيّة خفيفة محكمة وممتعة ، امتزج فيها الخيال بالواقع ، الحلم باليأس ، التراجيديا الورقية بالمأساة النفسيّة ، عمق الفلسفة بالجملة السردية الأنيقة التي تتميز بهاساغان . تلك الكاتبة التي تلتقط من التفاصيل والأوضاع النفسيّة ما لا يخطر لك أنّه قابل للتحويل إلى كتابة . وتذهلك بتشابيهها التي لا شيء يشبهها وقدرتها على الغوص في الذات الإنسانية ، حتى إنّي وأنا أترجمها تجدّد في ذهني خاطر قديم كان قد راودني عندما قرأتها للمرّة الأولى منذ سنوات . قائلاً : إنها امرأة يتحوّل المرء أمامها إلى فضيحة ! الطريف في النص دون استباق الماسيكتشفه القارئ بنفسه هو الجوّ الباريسي الذي تدعوك إليه الكاتبة ، مانحة إيّاك فرصة مشاركة الشخصيات أماكنهم ونزهاتهم ومجالسهم و حواراتهم كأنك واحد منهم . ثم الأفكار المبتكرة التي سيلهمك إياها وأنت ترى العلاقات تُبنى أمام عينيك والخيبات تتالى تباعاً كلا سعت الشخصيّات إلى ما هو أبعد من السّعادة : الوعي بالسّعادة .
الوهلة سيبدو أن الإنسان قد خرج من قالب الباحث عن السعادة ليصبح هو نفسه سعادة غيره وقد يتحوّل أيضاً لأسباب بسيطة إلى مأساة غيره ومصيره . وأن الشخصيات تملك كل مقومات السّلام والسّعادة لو لم يكن هناك توزيع رديء للأدوار في ما بينهم . ليظهر جليّاً أنّ المأساة هي لعبة قدر ساخر يذكر إلى حد بعيد بآلهة إغريقيّة تحكمها رغباتها ومصالحها تلهو بمنح من لا يستحق وحرمان من يست حق . حبكة مسرحية برعت فيهاساغان وهي تقفل على شخصيّاتها في فضاء تراجيدي مُضطرب لم يغب عنه الشراب والحب والحيرة والمجهول.